أسس تدبير الطعام والشراب في الشريعة الإسلامية
لقد نجح النظام الإسلامي في ميدان التدريب الصحي الذي فرض على بني البشر ليسعدوا به (1) ،
فقد كانت معظم الأمراض التي يصاب بها الناس ـ ومازالت ـ في عصرنا الحديث ترجع إلى
الحرمان الشديد ونقص الغذاء، أو إلى الإفراط في تناول الطعام والشراب والإسراف فيهما ،
وقد جاء الحل الإسلامي العظيم المعجز وفي ثلاثة كلمات من كتاب الله عز وجل حين قال :
(يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ
مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ
الْمُسْرِفِينَ)[ سورة الأعراف]
وأمر بالصيام شهراً في السنة للحفاظ على سلامة وكيان أجهزة البدن وأعضائه .
وجاءت الدراسات الطبية لتثبت أن مرضى القلب يستطيعون أن يعيشوا طويلاً بعيداً عن
المضاعفات الخطيرة إذا هم اعتدلوا في طعامهم وشرابهم
ومن ثم فقد أمر الإسلام الأغنياء بإخراج زكاة أموالهم (2) لإنقاذ ملايين الجائعين من خطر
البؤس والفقر والمرض والموت .
وجاءت القاعدة الثانية صرخة مدوية يؤكد علماء اليوم أنها الحل الأمثل لحل مشاكل
العصر الصحية والتي جعلها سبحانه وتعالى من أهداف بعثة النبي الأمي صلى الله عليه
وسلم وهي قوله تعالى (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ
وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ
النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [ سورة الأعراف]
فكان الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير ، وما ألحق بها اليوم من خبائث العصر من مخدرات
وسجائر وسواها وهي من أهم أسباب الأمراض والعجز والموت والمهالك
في عصرنا الحديث
وجاء الهدي النبوي بآداب يتدبر بها المسلم أمر طعامه وشرابه ، وهي علاوة على أنها
أضفت على حياته الاجتماعية مسحة جمالية وسلوكية رائعة قد نظم بها الشارع تناول
الوجبات وكيماتها وطريقة تناولها فيما يتفق مع ما وصل إليه الطب الحديث الوقائي وعلم
الصحة لا بل سبقه إلى ذلك بقرون عدة فلا يأكل المسلم حتى يجوع ،
وإذا أكل لا يصل إلى حد التخمة من الشبع ،
إذ" بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه " ، وعلى قاعدة " ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من
بطنه " كما نهى الشارع عن إدخال الطعام على الطعام أو أن يأكل بين الوجبات ….. الخ .
..
واتفاقاً مع الأهمية الصحية لطريقة تناول الطعام والشراب ، وعلاقة ذلك بصحة البدن ،
فقد حدد الطبيب الأول ورسول الحق صلى الله عليه وسلم الوضعية المثلى
للجلوس على الطعام ،
ونهى عن وضعيات قد ينجم عنها بعض الأذى ،كأن يأكل المرء أو يشرب واقفاً أو متكئاً .
وندب إلى أن يتحدث الإنسان على طعامه لإدخال السرور على المشاركين مما يزيد في إفراز
العصارات الهاضمة ويساعد على الاستفادة المثلى من الطعام .
ودعا إلى تقديم العَشاء على العِشاء ، وإلى أن يشرب كوب الماء على دفعتين أو ثلاث ،
وأن يمصه مصاً لا أن يعبه ويكرعه لما في ذلك من أثر سيء على المعدة
والجهاز الهضمي عموماً .
وإذا كان الطب الحديث قد اكتشف الجراثيم الممرضة والطفيليات المهلكة للإنسان في أواخ
ر القرن الماضي وبين أن تلوث الطعام والشراب بها هو من أهم أسباب إصابة الإنسان بعد
د من الأمراض الخطيرة كالكوليرا والتيفوئيد والزحار (الزنطارية ) والسل المعوي
والديدان والتهاب الكبد وغيرها ،
ومن ثم فقد وضع علم الطب الوقائي عدداً من القواعد الصحية على الإنسان أن يلتزم بها
ليضمن نظافة الطعام والشراب وسلامتها من التلوث الجرثومي ،
فإن ديننا الحنيف قد وضع تلك التعاليم وأمر أتباعه بالالتزام بها منذ أكثر من أربعة عشر قرناً
والحق يقال أن التعاليم النبوية في تدبير الطعام والشراب كانت قمة في حرص المشرع
العظيم على سلامة أتباعه ووقايتهم من شر الوقوع في براثن المرض .
فقد أمر عليه الصلاة والسلام أن يعطى إناء الطعام وتوكأ قرب الشراب فلا تترك مكشوفة
للذباب والتراب ، كما نهى عن أن يشرب من في الإناء أو ينفخ في الشراب حرصاً على
سلامته من التلوث ، وأمر بغسل اليدين قبل الطعام وبعده ،
وأمر بالأكل باليمين ، ونهى عن الأكل باليسار التي خصصها للاستنجاء وغير ذلك من
الأعمال الملوثة كل ذلك ليضمن سلامة الطعام وعدم تلوثه بالجراثيم كما سنرى .
كما حرص المشرع على عدم تلويث مياه الشرب ، فنهى أن يغمس المستيقظ من النوم يد
ه في الإناء قبل أن يغسلها ، فإن " أحدكم لا يدري أين باتت يده "،
كما منع التبرز أو التبول قرب موارد المياه وفي ظل الناس ومكان تجمعاتهم ، بل شدد في
تحريم هذه الأفعال (3) حتى عدها من مسببات اللعن . فقد صح عنه صلى الله
عليه وسلم " أتقوا الملاعن الثلاث : البراز في الموارد وقارعة الطريق
والظل " كما " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبال في الماء الراكد"
. رواه البخاري ومسلم .